فصل: تفسير الآيات (1- 3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (نسخة منقحة)



.سورة يونس:

.تفسير الآيات (1- 3):

{الر تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3)}
{الر} أنا الله أرى {تلك آيات الكتاب} هذه الآيات التي أنزلتها عليك آيات القرآن {الحكيم} الحاكم بين النَّاس.
{أكان للناس} أَهلِ مكَّةَ {عجباً أن أوحينا إلى رجل منهم} وذلك أنَّهم قالوا: ما وجدَ الله مَنْ يُرسله إلينا إلاَّ يتيم أبي طالب؟! {أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا} أَيْ: بعثناه بشيراً ونذيراً {أنَّ لهم قدم صدق عند ربهم} يعني: الأعمال الصَّالحة. {قال الكافرون إنَّ هذا} القرآن {لسحرٌ مبين}.
{إنَّ ربكم الله} مفسَّرةٌ في سورة الأعراف، وقوله: {يدبِّر الأمر} يقضيه {ما من شفيع إلاَّ من بعد إذنه} ردٌّ لقولهم: الأصنام شفعاؤنا عند الله.

.تفسير الآية رقم (5):

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5)}
{هو الذي جعل الشمس ضياءً} ذات ضياءٍ {والقمر نوراً} ذا نورٍ {وقدَّره} وقدَّر له {منازل} على عدد أيام الشَّهر {ما خلق الله ذلك} يعني: ما تقدَّم ذكره {إلاَّ بالحق} بالعدل، أَيْ: هو عادلٌ في خلقه، لم يخلقه ظلماً ولا باطلاً {يفصِّل الآيات} يُبيِّنها {لقوم يعلمون} يستدلُّون بها على قدرة الله.

.تفسير الآية رقم (7):

{إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ (7)}
{إنَّ الذين لا يرجون لقاءنا} لا يخافون البعث {ورضوا بالحياة الدنيا} بدلاً من الآخرة {واطمأنوا بها} وركنوا إليها {والذين هم عن آياتنا} ما أنزلتُ من الحلال والحرام والشرائع {غافلون}.

.تفسير الآيات (9- 10):

{إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10)}
{يهديهم ربُّهم بإيمانهم} أَيْ: إلى الجنان ثواباً لهم بإيمانهم.
{دعواهم} دعاؤهم {فيها سبحانك اللهم} وهو أنَّهم كلَّما اشتهوا شيئاً قالوا: سبحانك اللَّهم، فجاءهم ما يشتهون، فإذا طعموا ممَّا يشتهون قالوا: الحمد لله ربَّ العالمين.

.تفسير الآيات (11- 13):

{وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)}
{ولو يعجل الله للناس الشرَّ...} الآية. نزلت في دعاء الرَّجل على نفسه وأهله وولده بما يكره أني يستجاب له، والمعنى: لو استجبتُ لهم في الشَّرِّ كما يحبُّون أن يستجاب لهم في الخير {لقضي إليهم أجلهم} لماتوا، وفُرغ من هلاكهم. نزلت في النَّضر بن الحارث حين قال: {اللَّهم إن كان هذا هو الحقَّ من عندك...} الآية. يدلُّ على هذا قوله: {فنذر الذين لا يرجون لقاءنا} يعني: الكفَّار الذين لا يخافون البعث.
{وإذا مسَّ الإِنسان} يعني: الكافر {الضرُّ} المرض والبلاء {دعانا لجنبه} أَيْ: مضطجعاً {أو قاعداً أو قائماً فلما كشفنا عنه ضرَّه مرَّ} طاغياً على ترك الشُّكر {كأن لم يدعنا إلى ضرٍّ مسَّه} لنسيانه ما دعا الله فيه، وما صنع الله به {كذلك زين} كما زُيِّن لهذا الكافر الدُّعاء عند البلاء، والإِعراض عند الرَّخاء {زين للمسرفين} عملهم، وهم الذين أسرفوا على أنفسهم، إذ عبدوا الوثن.
{ولقد أهلكنا القرون من قبلكم} يخوِّف كفار مكَّة بمثل عذاب الأمم الخالية {وما كانوا ليؤمنوا} لأنَّ الله طبع على قلوبهم جزاءً لهم على كفرهم {كذلك نحزي القوم المجرمين} نفعل بمَنْ كذَّب بمحمَّدٍ كما فعلنا بمَنْ قبلهم جزاءً لكفرهم.

.تفسير الآيات (14- 21):

{ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآَنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آَيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21)}
{ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم} يعني: أهل مكَّة {لننظر كيف تعملون} لنختبر أعمالكم.
{وإذا تتلى عليهم} على هؤلاء المشركين {آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا} لا يخافون البعث: {ائت بقرآن غير هذا} ليس فيه عيب آلهتنا {أو بدَّله} تكلَّمْ به من ذات نفسك، فبدِّلْ منه ما نكرهه {قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفس} ما ينبغي لي أَنْ أغيِّره من قبل نفسي {إن أتبع إلاَّ ما يوحى غليَّ} ما أُخبركم إلاَّ ما أخبرني الله به، أَي: الذي أتيتُ به من عند الله، لا من عندي نفسي فأبدِّله.
{قل لو شاء الله ما تلوته عليكم} ما قرأتُ عليكم القرآن {ولا أدراكم به} ولا أعلمكم الله به {فقد لبثت فيكم عُمراً من قبله} أقمتُ فيكم أربعين سنةً لا أُحدِّثكم شيئاً {أفلا تعقلون} أنَّه ليس من قبلي.
{فمن أظلم ممن أفترى على الله كذباً} لا أحد أظلم ممَّن يظلم ظلم الكفر، أَيْ: إني لم أفترِ على الله، ولم أكذب عليه، وأنتم فعلتم ذلك حيث زعمتم أنَّ معه شريكاً {إنَّه لا يفلح المجرمون} لا يسعد مَنْ كذَّب أنبياء الله.
{ويعبدون من دون الله ما لا يضرُّهم} إنْ لم يعبدوه {ولا ينفعهم} إن عبدوه {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} في إصلاح معاشهم في الدُّنيا؛ لأنَّهم لا يقرُّون بالبعث {قل أتنبؤون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض} أتخبرون الله أنَّ له شريكاً، ولا يعلم الله سبحانه لنفسه شريكاً في السَّموات ولا في الأرض، ثمَّ نزَّه نفسه عمَّا افتروه فقال: {سبحانه وتعالى عما يشركون}.
{وما كان الناس إلاَّ أمة واحدة} يعني: من لدن عهد إبراهيم عليه السَّلام إلى أن غيَّر الدِّين عمرو بن لُحي {فاختلفوا} واتَّخذوا الأصنام {ولولا كلمة سبقت من ربك} بتأخير عذاب هذه الأُمَّة إلى القيامة {لقضي بينهم} بنزول العذاب.
{ويقولون} يعني: أهل مكَّة: {لولا} هلاَّ {أنزل عليه آية من ربه} مثلُ العصا وما جاءت به الأنبياء {فقل إنما الغيب لله} أَيْ: إنَّ قولكم: هلاَّ أنزل عليه آيةٌ غيبٌ، وإنَّما الغيب لله لا يعلم أحدٌ لمَ لمْ يفعل ذلك {فانتظروا} نزول الآية {إني معكم من المنتظرين}.
{وإذا أذقنا الناس} كفار مكَّة {رحمة} مطراً وخَصْباً {من بعد ضرَّاء مستهم} فقرٍ وبؤسٍ {إذا لهم مكر في آياتنا} قولٌ بالتَّكذيب، أَيْ: إذا أخصبوا بطروا، فاحتالوا لدفع آيات الله {قل الله أسرع مكراً} أسرع نقمةً. يعني: إنَّ ما يأتيهم من العقاب أسرعُ في أهلاكهم ممَّا أتوه من المكر في إبطال آيات الله {إنَّ رسلنا} يعني: الحفظة {يكتبون ما تمكرون} للمجازاة به في الآخرة.

.تفسير الآيات (22- 26):

{هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (22) فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (23) إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (24) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)}
{هو الذي يسيِّركم في البر} على المراكب والظُّهور {والبحر} على السُّفن {حتى إذا كنتم في الفلك} السُّفن {وجرين بهم} يعني: وجرت السُّفن بمَنْ ركبها في البحر {بريح طيبة} رُخاءٍ ليِّنةٍ {وفرحوا} بتلك الرِّيح للينها واستوائها {جاءتها ريحٌ عاصف} شديدةٌ {وجاءهم الموج} وهو ما ارتفع من الماء {من كلِّ مكان} من البحر {وظنوا أنهم أحيط بهم} دنوا من الهلاك {دعوا الله مخلصين له الدين} تركوا الشِّرك وأخلصوا لله الرُّبوبيَّة، وقالوا {لئن أنجيتنا من هذه} الرِّيح العاصفة {لنكوننَّ من الشاكرين} الموحِّدين الطَّائعين.
{فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق} يعملون بالفساد والمعاصي والجرأة على الله. {يا أيها الناس} يعني: أهل مكَّة {إنما بغيكم على أنفسكم} أَيْ: بغي بعضكم على بعضٍ {متاع الحياة الدنيا} أَيْ: ما ينالونه بهذا الفساد والبغي إنَّما يتمتَّعون به في الحياة الدُّنيا {ثم إلينا مرجعكم}.
{إنما مثل الحياة الدنيا} يعني: الحياة الفانية في هذه الدَّار {كماءٍ} كمطرٍ {أنزلناه من السماء فاختلط به} بذلك المطر وبسببه {نبات الأرض ممَّا يأكل الناس} من البقول والحبوب والثِّمار {والأنعام} من المراعي والكلأ {حتى إذا أخذت الأرض زخرفها} زينتها وحسنها {وازَّينت} بنباتها {وظنَّ} أهل تلك الأرض {أنهم قادرون} على حصادها والانتفاع بها {أتاها أمرنا} عذابنا {فجعلناها حصيداً} لا شيء فيها {كأن لم تغن} لم تكن بالأمس {كذلك} الحياةُ في الدُّنيا سببٌ لاجتماع المال وزهرة الدُّنيا، حتى إذا كثر ذلك عند صاحبه، وظنَّ أنَّه ممتَّعٌ به سُلِب ذلك عنه بموته، أو بحادثةٍ تهلكه {كذلك نفصل الآيات} كما بيَّنا هذا المثل للحياة الدُّنيا كذلك يُبيِّن الله آيات القرآن {لقوم يتفكرون} في المعاد.
{والله يدعو إلى دار السلام} وهي الجنَّة ببعث الرَّسول، ونصب الأدلة {ويهدي من يشاء} عمَّ بالدَّعوة، وخصَّ بالهداية مَنْ يشاء.
{للذين أحسنوا} قالوا: لا إله إلاَّ الله {الحسنى} الجنَّة {وزيادة} النَّظر إلى وجه الله الكريم عزَّ وجلَّ {ولا يرهق} يغشى {وجوههم قترٌ} سوادٌ من الكآبة {ولا ذلة} كما يصيب أهل جهنَّم، وهذا بعد نظرهم إلى ربِّهم تبارك وتعالى.

.تفسير الآيات (27- 33):

{وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28) فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33)}
{والذين كسبوا السيئات} عملوا الشِّرك {جزاء سيئة} أَيْ: فهلم جزاء سيئةٍ {بمثلها وترهقهم ذلة} يُصيبهم ذلٌّ وخزيٌ وهوانٌ {ما لهم من الله} من عذاب الله {من عاصم} من مانعٍ يمنعهم {كأنما أغشيت} أُلبست {وجوههم قطعاً} طائفةً {من الليل} وهو مظلم.
{ويوم نحشرهم جميعاً} نجمعهم جميعاً: الكفَّارَ وآلهتَهم {ثمَّ نقول للذين أشركوا مكانكم} قفوا والزموا مكانكم {أنتم وشركاؤكم فزيلنا} فرَّقنا وميَّزنا {بينهم} بين المشركين وبين شركائهم، وانقطع ما كان بينهم من التَّواصل في الدُّنيا {وقال شركاؤهم} وهي الأوثان: {ما كنتم إيانا تعبدون} أنكروا عبادتهم، وقالوا: ما كنَّا نشعر بأنَّكم إيَّانا تعبدون، والله يُنطقها بهذا.
{فكفى بالله شهيداً...} الآية. هذا من كلام الشُّركاء. قالوا: شهد الله على علمه فينا، ما {كنا عن عبادتكم} إلاَّ غافلين؛ لأنَّا كنَّا جماداً لم يكن فينا روحٌ.
{هنالك} في ذلك الوقت {تبلو} تختبر {كلُّ نفس ما أسلفت} جزاء ما قدَّمَتْ من خيرٍ أو شرٍّ {ورُدُّوا إلى الله مولاهم الحق} أَي: الذي يملك تولِّي أمرهم ويجازيهم بالحقِّ {وضلَّ عنهم} زال وبطل {ما كانوا يفترون} في الدُّنيا من التَّكذيب.
{قل مَنْ يرزقكم من السماء والأرض} مَنْ يُنزِّل من السَّماء المطر، ويُخرج النَّبات من الأرض؟ {أم مَنْ يملك السمع والأبصار} مَنْ جعلها وخلقها لكم؟ على معنى: مَنْ يملك خلقها {ومن يخرج الحيَّ من الميت} المؤمن من الكافر، والنَّبات من الأرض، والإِنسان من النُّطفة، وعلى الضدِّ من ذلك {يخرج الميِّتَ من الحيِّ ومَنْ يدبر} أمر الدُّنيا والآخرة {فسيقولون الله} أَي: الله الذي يفعل هذه الأشياء، فإذا أقرُّوا بعد الاحتجاج عليهم {فقل أفلا تتقون} أفلا تخافون الله، فلا تشركوا به شيئاً.
{فذلكم الله ربكم الحق} أَي: الذي هذا كلُّه فِعْلُه هو الحقُّ، ليس هؤلاء الذين جعلتم معه شركاء {فماذا بعد الحق} بعد عبادة الله {إلاَّ الضلال} يعني: عبادة الشَّيطان {فأنى تصرفون} يريد: كيف تُصرف عقولكم إلى عبادة ما لا يرزق ولا يحيي ولا يميت.
{كذلك} هكذا {حقت} صدَّقت {كلمت ربك} بالشَّقاوة والخذلان {على الذين فسقوا} تمرَّدوا في الكفر {أنَّهم لا يؤمنون}.